موقف الاتحاد الاوروبي من القضية الفلسطينية |
الدول الأوروبية في سياساتها تجاة الصراع العربي – الإسرائيلي تضع على عاتقها علاقاتها الخاصة مع إسرائيل ، و التي ترتبط تاريخياً بالهولوكوست من ناحية ، في حين تحاول أوروبا الحفاظ على مصالحها الاقتصادية و السياسية المتنامية مع العرب من ناحية أخرى ، لذلك تسعى القارة العجوز إلى اتخاذ موقف وسط بين الفلسطينيين و إسرائيل و الولايات المتحدة . كما تحاول دول أوروبا تسوية القضية الفلسطينية ، و ذلك بإقامة اللجنة الرباعية ، و التي أصدرت ” خارطة الطريق ” لتكون الأسس التي تقام من خلالها دولة فلسطينية مستقل ، ثم طرحت أوروبا مشروع الاتحاد الأورومتوسطي لتعزيز التعاون الإقليمي و لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط .
أولاً: علاقة أوروبا بالسلطة الفلسطينية :
لطالما تطلع الفلسطينيين على أن يكون لأوروبا دور محوري لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي ، هذا ما أكده تصريح رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ، بقوله ” أنه من الضروري أن يكون للإتحاد الأوروبي دور فاعل في العملية السياسية ، و إنهاء الاحتلال ، و تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولة كاملة السيادة و عاصمتها القدس ” . (1)ترجع علاقة الدول بالسلطة الفلسطينية إلى عام 1974م ، حيث تم إفتتاح أول مكتب تمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية ، في باريس ، لتكون فرنسا أول دولة أوروبية تستقبل رسمياً ياسر عرفات كرئيس للسلطة الفلسطينية ، حيث إلتقى به وزير الخارجية الفرنسي جان سوفنارغ حينها . (2)
عقب توقيع اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية و إسرائيل ، في عام 1993م ، عقدت الدول الأوروبية مؤتمراً حاشداً لدعم و تنسيق المساعدات المالية المقدمة للفلسطينيين ، ثم وقعت اتفاقية تعاون و تجارة بين الإتحاد الأوروبي و السلطة الفلسطينية ، و هو ما أدى إلى زيادة حجم الصادرات الفلسطينية إلى أوروبا في العام نفسه ، إلى أن زادت الصادرات في الفترة ( 2002-2005 ) بأكثر من 7 أضعاف ما كانت عليه في السابق . (3)
أصبحت المساعدات الاقتصادية و المالية هي الركيزة الأساسية للموقف الأوروبي تجاة القضية الفلسطينية ، فقد قدمت أوروبا مساعدات فنية و مادية للسطة الفلسطينية ، إلا أن تلك المساعدات لم تؤدي إلى نتائج إيجابية على النحو المأمول ، و ذلك لإفتقارها إلى إجراءات مادية ملموسة تتمثل في ضغوط اقتصادية على إسرائيل ، أو حتى على مبيعات السلاح لها
بعد فوز حركة حماس و وصولها إلى السلطة في قطاع غزة ، عام 2006م ، توقفت العلاقات الرسمية اقتصادياً ، بينما استمرت المساعدات الأوروبية للفلسطينيين في القطاع ، و ذلك عبر قنوات غير حكومية . بعد حصول الإنقسام الفلسطيني و مع تولي سلام فياض رئاسة الحكومة في الضفة الغربية ، ثم عادت المساعدات المالية التي تقدمها أوروبا و بشكل رسمي ، علاوة على زيادة الصادرات الفلسطينية إلى الإتحاد الأوروبي أكثر من ذي قبل
مع اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية ، عام 2000م ، اتجه الرأي العام الأوروبي إلى مقاطعة منتجات و سلع المستوطنات الإسرائيلية ، على اعتبار أنها غير شرعية ، و بالتزامن مع تغير النظام السياسي لعدد من الدول الأوروبية ، و في مقدمتها ألمانيا ، التي تعتبر أكبر مانح أوروبي للسلطة الفلسطينية و الثالث عالمياً فبوصول الإئتلاف الإشتراكي ” الخضر” للسلطة في ألمانيا ، سعت برلين لتعزيز جهودها الدبلوماسية إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي .
ثانياً: موقف الإتحاد الأوروبي من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية:
عندما حدثت الأزمة الإقتصادية العالمية عندما استخدم العرب سلاح النفط في حرب 1973م ، مما جعل الدول الغربية و في مقدمتها الدول الأوروبية ، حيث ترى منطقة الشرق الأوسط تمثل بعداً إقيلمياً و أمنياً ، لذلك برز الدور الأوروبي تجاة القضية الفلسطينية بمبادرة فرنسا ، في عام 1976م ، فقد أيدت الدول الأوروبية حقوق الشعب الفلسطيني بشكل حذر ، حينما صدر بيان طالبت فيه أوروبا بإنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية و العودة إلى حدود 1967م
في عام 1980م ، لعبت القارة العجوز دور أكثر فعالية من قبل ، حيث أطلقت بياناً رسمياً سمي ” بإعلان البندقية ” ، الذي عكس دعم و مساندة أوروبا لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، و إقامة دولته المستقلة (4)
عاد الدور الحيوي لأوروبا بإصدار ” بيان بروكسيل ” ، في فبراير/شباط 1987م ، فقد حث البيان على إنعقاد مؤتمر دولي في الشرق الأوسط ، تحت رعاية الأمم المتحدة ، كما دعت الدول الأوروبية إلى ضرورة إجراء مفاوضات من أجل تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي . (5)
سادت فترة الثمانينات تنسيق مشترك بين الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة إزاء قضايا الشرق الأوسط ، و خاصة القضية الفلسطينية ، حيث تشابهت السياسة الخارجية الأمريكية مع سياسات أوروبا ، في عدم إجبار إسرائيل لوقف ممارساتها القمعية تجاة الفلسطينيين
عقب سقوط الإتحاد السوفيتي مع مطلع التسعينات ، و بروز الدور الأمريكي الذي كان يميل إلى الإنفراد بالتسوية السلمية للصراع العربي – الإسرائيلي، من خلال مؤتمر مدريد للسلام ، عام 1991م ، فقد اكتفت أوروبا بصفة المراقب في المؤتمر . ثم أصدرت الدول الأوروبية “بيان فلورنسا” ، في يونيو/ حزيران 1996م ، لتعبر الجماعة الأوروبية عن موقفها من إقامة دولة فلسطينية ، طبقاً لحدود 1967م ، فقد أكدت أوروبا خلال البيان ، على ضرورة البدأ في مفاوضات جادة و مثمرة لحل القضية الفلسطينية بشكل كامل . (6)
في عام 1998م ، أطلق وزير الخارجية البريطاني روبن كوك ” مبادرة” أعلن فيها أن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير شرعي ، و مخالف للقانون الدولي ، لتكون المرة الأولى التي تظهر فيها أوروبا موقف ضاغط إزاء إسرائيل ، لحثها على وقف التوسع الاستيطاني ، و دعم حقوق الفلسطينيين المشروعة.