جاء تفويض البرلمان التركي للجيش بشن عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية إذا أقتضى الأمر بمثابة الانتقال إلى مرحلة الحرب المباشرة ضد سوريا بعد أن انتهجت تركيا خلال مراحل الأزمة السورية أسلوب الحرب الناعمة من خلال دعم المعارضة السورية المسلحة والسياسية وحشد المواقف الإقليمية والدولية لإسقاط النظام السوري.
ومع هذا التفويض الذي جاء عقب قصف تركي لمنطقة تل أبيض السورية رداً على مقتل خمسة أتراك بقذيفة سورية، تحولت الحدود الطويلة بين البلدين والتي تقارب 900 كيلو متر إلى أهم منطقة ساخنة يمكن أن تنطلق منها شرارة الحرب المؤجلة ضد النظام السوري.
رسائل التصعيد التركي
لقد كان القصف التركي للعديد من المواقع السورية الحدودية خلال الفترة الماضية وحشد المزيد من القوات العسكرية والأسلحة في المنطقة الحدودية أشبه برسالة سياسية تركية حاسمة، مفادها أن أنقرة انتقلت في تعاطيها مع الأزمة السورية إلى مرحلة جديدة في إطار ما سماه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتغير قواعد اللعبة، وقد تعزز هذا الخيار في ظل قناعة حكومة حزب العدالة والتنمية بأن هذه الأزمة باتت تشكل خطراً على الأمن القومي التركي في ظل تطور العامل الكردي داخل تركيا وعلى حدودها الجنوبية داخل سورية وكذلك لاستفادة المعارضة التركية من تداعيات الأزمة السورية لجهة فضح سياسة أردوغان وتورط حكومته على الأرض في الأزمة السورية، وعليه يمكن القول إن القصف التركي لا يتعلق بالرد على سقوط قذيفة أو قذائف سورية وقعت داخل الأراضي التركية بقدر ما يتعلق بسياسة أنقرة تجاه النظام السوري، فالمطلوب حسب الموقف التركي من الآن فصاعدا هو أفعال على أرض الواقع خصوصاً بعد الضوء الأخضر الذي حصل الجيش التركي عليه من البرلمان داخل الأراضي السورية، وعليه فان سيناريو الاشتباك أو الصدام المباشر بين الجانبين وتحوله إلى حرب بات واردا بقوة، وهو سيناريو يقوم على حصول اشتباك مباشر بين الجيشين التركي والسوري في المنطقة الحدودية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل باتت الحرب على الأبواب ؟ في الواقع، على الرغم من أن قسماً كبيراً من المحللين الأتراك يرون أن تركيا ليست بصدد الدخول في حرب ضد سوريا، وأن الخطوة التركية كانت من باب الردع وليس الهجوم، وان قرار الحرب هو في الأساس قرار أمريكي وليس تركي، فإن ثمة قناعة واسعة بأن تصعيد وتيرة القصف العسكري التركي داخل الأراضي السورية للمرة الأولى يحمل معه سيناريو المواجهة العسكرية وأن هذا الخيار بات يشق طريقه على أرض الواقع بعد تفويض البرلمان والدعم الأطلسي المحدود للموقف التركي، وأن جميع تحركات تركيا على الحدود هي في إطار الاستعداد لنقل المواجهة إلى حيز التنفيذ حيث يقول أردوغان إن قواعد اللعبة تغيرت، ولطالما أن سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية تنطلق من حقيقة أنه لا تراجع عن خيار إسقاط النظام السوري بعد أن بلغت العلاقات بينهما مرحلة القطيعة واللاعودة، وعليه فإن القصف التركي جاء في إطار هذه المعطيات الجديدة والتي تحمل معها سيناريو المواجهة والحرب.